الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
في هذه اللحظة التي يستحكم فيها الكرب، ويأخذ فيها الضيق بمخانق الرسل، ولا تبقى ذرة من الطاقة المدخرة.. في هذه اللحظة يجيء النصر كاملًا حاسمًا فاصلًا: {جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يردُّ بأسنا عن القوم المجرمين}..تلك سنة الله في الدعوات. لابد من الشدائد، ولابد من الكروب، حتى لا تبقى بقية من جهد ولا بقية من طاقة. ثم يجيء النصر بعد اليأس من كل أسبابه الظاهرة التي يتعلق بها الناس. يجيء النصر من عند الله، فينجو الذين يستحقون النجاة، ينجون من الهلاك الذي يأخذ المكذبين، وينجون من البطش والعسف الذي يسلطه عليهم المتجبرون. ويحل بأس الله بالمجرمين، مدمرًا ماحقًا لا يقفون له، ولا يصده عنهم ولي ولا نصير.ذلك كي لا يكون النصر رخيصًا فتكون الدعوات هزلًا. فلو كان النصر رخيصًا لقام في كل يوم دعيٌّ بدعوة لا تكلفه شيئًا. أو تكلفه القليل. ودعوات الحق لا يجوز أن تكون عبثًا ولا لعبًا. فإنما هي قواعد للحياة البشرية ومناهج، ينبغي صيانتها وحراستها من الأدعياء.والأدعياء لا يحتملون تكاليف الدعوة، لذلك يشفقون أن يدَّعوها، فإذا ادَّعوها عجزوا عن حملها وطرحوها، وتبين الحق من الباطل على محك الشدائد التي لا يصمد لها إلا الواثقون الصادقون؛ الذين لا يتخلون عن دعوة الله، ولو ظنوا أن النصر لا يجيئهم في هذه الحياة!إن الدعوة إلى الله ليست تجارة قصيرة الأجل؛ إما أن تربح ربحًا معينًا محددًا في هذه الأرض، وإما أن يتخلى عنها أصحابها إلى تجارة أخرى أقرب ربحًا وأيسر حصيلة! والذي ينهض بالدعوة إلى الله في المجتمعات الجاهلية والمجتمعات الجاهلية هي التي تدين لغير الله بالطاعة والاتباع في أي زمان أو مكان يجب أن يوطن نفسه على أنه لا يقوم برحلة مريحة، ولا يقوم بتجارة مادية قريبة الأجل! إنما ينبغي له أن يستيقن أنه يواجه طواغيت يملكون القوة والمال ويملكون استخفاف الجماهير حتى ترى الأسود أبيض والأبيض أسود! ويملكون تأليب هذه الجماهير ذاتها على أصحاب الدعوة إلى الله، باستثارة شهواتها وتهديدها بأن أصحاب الدعوة إلى الله يريدون حرمانها من هذه الشهوات!.. ويجب أن يستيقنوا أن الدعوة إلى الله كثيرة التكاليف، وأن الانضمام إليها في وجه المقاومة الجاهلية كثيرة التكاليف أيضًا. وأنه من ثم لا تنضم إليها في أول الأمر الجماهير المستضعفة، إنما تنضم إليها الصفوة المختارة في الجيل كله، التي تؤثر حقيقة هذا الدين على الراحة والسلامة، وعلى كل متاع هذه الحياة الدنيا. وأن عدد هذه الصفوة يكون دائمًا قليلًا جدًا. ولكن الله يفتح بينهم وبين قومهم بالحق، بعد جهاد يطول أو يقصر. وعندئذ فقط تدخل الجماهير في دين الله أفواجًا.وفي قصة يوسف ألوان من الشدائد. في الجب وفي بيت العزيز وفي السجن. وألوان من الاستيئاس من نصرة الناس.. ثم كانت العاقبة خيرًا للذين اتقوا كما هو وعد الله الصادق الذي لا يخيب وقصة يوسف نموذج من قصص المرسلين. فيها عبرة لمن يعقل، وفيها تصديق ما جاءت به الكتب المنزلة من قبل، على غير صلة بين محمد وهذه الكتب. فما كان يمكن أن يكون ما جاء به حديثًا مفترى. فالأكاذيب لا يصدق بعضها بعضًا ولا تحقق هداية، ولا يستروح فيها القلب المؤمن الروح والرحمة: {لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثًا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون}.. وهكذا يتوافق المطلع والختام في السورة، كما توافق المطلع والختام في القصة. وتجيء التعقيبات في أول القصة وآخرها، وبين ثناياها، متناسقة مع موضوع القصة، وطريقة أدائها، وعباراتها كذلك. فتحقق الهدف الديني كاملًا، وتحقق السمات الفنية كاملة، مع صدق الرواية، ومطابقة الواقع في الموضوع.وقد بدأت القصة وانتهت في سورة واحدة، لأن طبيعتها تستلزم هذا اللون من الأداء، فهي رؤيا تتحقق رويدًا رويدًا، ويومًا بعد يوم، ومرحلة بعد مرحلة. اهـ.
.التفسير المأثور: قال السيوطي:{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {لقد كان في قصصهم عبرة} قال: يوسف وإخوته.وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن ابن عباس- رضي الله عنهما- في قوله: {لقد كان في قصصهم عبرة} قال: معرفة: {لأولي الألباب} قال: لذوي العقول.وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ، عن قتادة رضي الله عنه: {ما كان حديثًا يفترى} والفرية، الكذب: {ولكن تصديق الذي بين يديه} قال: القرآن، يصدق الكتب التي كانت قبله من كتب الله التي أنزلها قبله على أنبيائه، فالتوراة والإِنجيل والزبور، يصدق ذلك كله ويشهد عليه أن جميعه حق من عند الله: {وتفصيل كل شيء} فصل الله به بين حرامه وحلاله، وطاعته ومعصيته.وأخرج ابن السني والديلمي، عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا عسر على المرأة ولادتها أخذ إناءٌ نظيفٌ وكُتِبَ عليه: {كأنهم يوم يرون ما يوعدون...} [الأحقاف: 35] إلى آخر الآية: {وكأنهم يوم يرونها} [النازعات: 46] إلى آخر الآية: {ولقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب....} إلى آخر الآية، ثم تغسل وتسقى المرأة منه وينضح على بطنها وفرجها». اهـ..فوائد لغوية وإعرابية: قال السمين:{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}وقرأ أبو عمرو في رواية عبد الوارث والكسائي في رواية الأنطاكي: {قِصصهم} بكسر القاف وهو جمع قِصة، وبهذه القراءة رجَّح الزمخشري عَوْدَ الضمير في: {قصصهم} في القراءة المشهورة على الرسل وحدهم، وحكى أنه يجوز أن يعودَ على يوسُفَ وإخوته. وحكى غيرُه أنه يجوز أن يعودَ على الرسل وعلى يوسف وإخوته جميعًا. قال الشيخ: ولا تَنْصُره يعني هذه القراءة إذا قصص يوسف وأبيه وإخوته مشتملٌ على قصصٍ كثيرة وأنباء مختلفة.قوله: {مَا كَانَ حَدِيثًا} في: {كان} ضميرٌ عائد على القرآن، أي: ما كان القرآنُ المتضمِّنُ لهذه القصة الغريبة حديثًا مختلفًا، وقيل: بل هو عائد على القصص أي: ما كان القصص المذكور في قوله: {لقد كان في قَصَصِهم}. وقال الزمخشري: فإن قلت: فالإمَ يَرْجِع الضمير في: {مَا كَانَ حَدِيثًا يفترى} فيمن قرأ بالكسر؟ قلت: إلى القرآن أي: ما كان القرآن حديثًا. قلت: لأنه لو عاد على: {قِصصهم} بكسر القاف لوجب أن يكون كانت بالتاء لإِسناد الفعل حينئذ إلى ضمير مؤنث، وإن كان مجازيًا.قوله: {ولكن تَصْدِيقَ} العامَّةُ على نصب: {تصديق}، والثلاثة بعده على أنها منسوقةٌ على خبر كان أي: ولكن كان تَصْدِيْقَ. وقرأ حمران بن أعين وعيسى الكوفي وعيسى الثقفي برفع: {تصديق} وما بعده على أنها أخبار لمبتدأ مضمر أي: ولكن هو تصديق، أي: الحديث ذو تصديقٍ، وقد سُمع من العرب مثلُ هذا بالنصب والرفع، قال ذو الرمة:وقال لوط بن عبيد: يُرْوى عطاء اللَّه في البَيتين منصوبًا على ولكن كان عطاء ومرفوعًا على: ولكن هو عطاء اللَّه. وتقدَّم نظيرُ ما بقي من السورة فأغنى عن إعادته. اهـ. .من لطائف وفوائد المفسرين: من لطائف القشيري في الآية:قال عليه الرحمة:{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)}عِبْرةٌ منها للملوك في بَسْطِ العدل كما بسط يوسفُ عليه السلام، وتأمينهم أحوال الرعية كما فعل يوسف حين أَحسن إليهم، وأعتقهم حين مَلَكَهم.وعبرة في قصصهم لأرباب التقوى؛ فإن يوسفَ لمَّا ترك هواه رقَّاه الله إلى ما رقَّاه.وعبرةٌ لأهل الهوى فيما في اتباع الهى من شدة البلاء، كامرأة العزيز لمَّا تبعت هواها لقيت الضرَّ والفقر.وعبرةُ للمماليك في حضرة السادة، كيوسف لما حفظ حرمة زليخا مَلَكَ مُلْكَ العزيز، وصارت زليخا امرأته حلالًا.وعبرةٌ في العفو عند المقدرة، كيوسف عليه السلام حين تجاوز عن إخوته.وعبرةٌ في ثمرة الصبر، فيقعوب لما صبر على مقاساة حزنه ظفر يومًا بلقاء يوسف عليه السلام. اهـ..التفسير الإشاري: .قال نظام الدين النيسابوري: التأويل: {من أنباء الغيب} لأن هذا الترتيب في السلوك لا يعلمه إلا الوالجون ملكوت السماء الغوّاصون في بحر بطن القرآن: {وما كنت لديهم} بالصورة ولكن كنت حاضرًا بالمعنى: {وما أكثر الناس} وهم صفات الناسوتية: {وما تسألهم عليه من أجر} لأن اللاهوتية غير محتاجة إلى الناسوتية وإن دعتها إلى الاستكمال لأنها كاملة في ذاتها مكملة لغيرها: {وكأين من آية} في سموات القلوب وأرض النفوس تمر الأوصاف الإنسانية عليها: {وهم عنها معرضون} لإقبالها على الدنيا وشهواتها: {وما يؤمن} أكثر الصفات الإنسانية بطلب الله وتبدل صفاته: {إلا وهم مشركون} في طلب الدنيا وشهواتها، أو طلب الآخرة ونعمها، أو وما يؤمن أكثر الخلق بالله وطلبه إلا وهم مشركون برؤية الإيمان والطلب أنها منهم لا من الله، فكل من يرى السبب فهو مشرك، وكل من يرى المسبب فهو موحد كل شيء هالك في نظر الموحد إلا وجهه، أو وما يؤمن أكثر الناس بالله وبقدرته وإيجاده إلا وهم مشركون في طلب الحاجة من غير الله: {غاشية} جذبة تقهر إرادتهم. وتسلب اختيارهم كما قيل: العشق عذاب الله: {أو تأتيهم الساعة} ساعة الانجذاب إلى الله: {هذه سبيلي} لأن طريق السير والسلوك مختص به وبأمته: {إلا رجالًا من أهل قرى} الملكوت دون مدن الملك والأجساد، والرجال من القرى ويشبه أن يعبر عن عالم الأرواح بالقرى لبساطتها. والقرى أقل أجزاء من المدن: {أفلم يسيروا في} أرض البشرية على قدمي الشريعة والطريقة ليصلوا إلى فضاء عالم الحقيقة: {وظنوا أنهم قد كذبوا} ففي إبطاء النصر ابتلاء للرسل؛ الله حسبي ونعم الوكيل. اهـ..قال الألوسي: ومن باب الإشارة في هذه السورة: قال سبحانه: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القصص} [يوسف: 3] وهو اقتصاص ما جرى ليوسف عليه السلام وأبيه وإخوته عليهم السلام، وإنما كان ذلك أحسن القصص لتضمنه ذكر العاشق والمعشوق وذلك مما ترتاح له النفوس أو لما فيه من بيان حقائق محبة المحبين وصفاء سر العارفين والتنبيه على حسن عواقب الصادقين والحث على سلوك سبيل المتوكلين والاقتداء بزهد الزاهدين والدلالة على الانقطاع إلى الله تعالى والاعتماد عليه عند نزول الشدائد، والكشف عن أحوال الخائنين وقبح طرائق الكاذبين، وابتلاء الخواص بأنواع المحن وتبديلها بأنواع الألطاف والمنن مع ذكر ما يدل على سياسة الملوك وحالهم مع رعيتهم إلى غير ذلك، وقيل: لخلو ذلك من الأوامر والنواهي التي يشغل سماعها القلب: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأبِيهِ يا أبت يا أبت إِنّى رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا والشمس والقمر رَأَيْتُهُمْ لِى سَاجِدِينَ} [يوسف: 4] هذه أول مبادئ الكشوف فقد ذكروا أن أحوال المكاشفين أوائلها المنامات فإذا قوي الحال تصير الرؤيا كشفًا، قيل: إنه عليه السلام قد سلك به نحوًا مما سلك برسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك أنه بدئ بالرؤيا الصادقة كما بدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم بها فكانلا يرى رؤيا إلا كانت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء على ما يشير إليه قوله: {رَبّ السجن أَحَبُّ إِلَىَّ} [يوسف: 33] كما حبب ذلك إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام فكان يتحنث في غار حراء الليالي ذوات العدد، وفيه أن حديث السجن بعد إيتاء النبوة فتدبر.وذكر بعض الكبار أن يوسف عليه السلام كان آدم الثاني لما كان عليه من كسوة الربوبية ما كان على آدم عليه السلام وهو مجلي الحق للخلق لو يعلمون فلما رأت الملائكة ما رأت من آدم سجدوا له وههنا سجد ليوسف من سجد وهم الشمس والقمر والكواكب المعدودة المشار بهم إلى أبويه وإخوته الذين هم على القول بنبوتهم خير من الملائكة عليهم السلام، ولا بدع إذ سجدوا لمن يتلألأ من وجهه الأنوار القدسية والأشعة السبوحية:وقد يقال: إن إبراهيم عليه السلام لما رأى في وجنة الكوكب ونقطة خال القمر وأسرة جبين الشمس أمارات الحدثان وصرف وجهه عنها متوجهًا إلى ساحة القدم المنزهة عن التغير المصونة عما يوجب النقص قائلًا: {إِنّي بَرِئ مّمَّا تُشْرِكُونَ} [الأنعام: 78] أسجد الله تعالى الشمس والقمر واسجد بدل الكواكب كواكب لبعض بنيه إعظامًا لأمره ومبالغة في تنزيه جلال الكبرياء، وحيث تأخرت البراءة إلى الثالث تأخر أمر الإسجاد إلى ثالث البنين، وليس المقصود من هذا إلا بيان بعض من أسرار تخصيص المذكور بالإراءة مع احتمال أن يكون هناك ما يصلح أن يكون رؤياه ساجدًا معبرًا بسجود أبويه وإخوته له عليهم السلام في عالم الحس فتدبر.{قَالَ يَاءادَمُ بَنِى لاَ تَقْصُصْ رُءيَاكَ على إِخْوَتِكَ} فيه إشارة إلى بعض آداب المريدين؛ فقد قالوا: إنه لا ينبغي لهم أن يفشوا سر المكاشفة إلا لشيوخهم وإلا يقعوا في ورطة ويكونوا مرتهنين بعيون الغيرة: {فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا} [يوسف: 5] هذا من الإلهامات المجملة وهي إنذارات وبشارات، ويجوز أن يكون علم عليه السلام ذلك من الرؤيا؛ قال بعضهم: إن يعقوب دبر ليوسف عليهما السلام في ذلك الوقت خوفًا عليه فوكل إلى تدبيره فوقع به ما وقع ولو ترك التدبير ورجع إلى التسليم لحفظ: {لَّقَدْ كَانَ في يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ ءايات لّلسَّائِلِينَ} [يوسف: 7] وذلك كسواطع نور الحق من وجهه وظهور علم الغيب من قلبه ومزيد الكرم من أفعاله وحسن عقبى الصبر من عاقبته، وكسوء حال الحاسد وعدم نقض ما أبرمه الله تعالى وغير ذلك، وقال بعضهم: إن من الآيات في يوسف عليه السلام أنه حجة على كل من حسن الله تعالى خلقه أن لا يشوهه بمعصيته ومن لم يراع نعمة الله تعالى فعصى كان أشبه شيء بالكنيف المبيض والروث المفضض.وقال ابن عطاء: من الآيات أن لا يسمع هذه القصة محزون مؤمن بها إلا استروح وتسري عنه ما فيه،: {وَجَاءوا أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ} [يوسف: 16] قيل: إن ذلك كان بكاء فرح بظفرهم بمقصودهم لكنهم أظهروا أنه بكاء حزن على فقد يوسف عليه السلام، وقيل: لم يكن بكاءً حقيقة وإنما هو تباك من غير عبرة؛ وجاؤا عشاء ليكونوا أجرأ في الظلمة على الاعتذار أو ليدلسوا على أبيهم ويوهموه أن ذلك بكاءً حقيقة لا تباك فإنهم لو جاؤا ضحى لافتضحوا: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} [يوسف: 18] وهو السكون إلى موارد القضاء سرًا وعلنًا، وقال يحيى بن معاذ: الصبر الجميل أن يتلقى البلاء بقلب رحيب ووجه مستبشر، وقال الترمذي: هو أن يلقي العبد عنانه إلى مولاه ويسلم إليه نفسه مع حقيقة المعرفة فإذا جاء حكم من أحكامه ثبت له مسلمًا ولا يظهر لوروده جزعًا ولا يرى لذلك مغتمًا، وأنشد الشبلي في حقيقة الصبر:
|